الملف الإعلامى
الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وعملية اعدادها وتنفيذها
مقدمة
تولي مصر اهتماماً كبيرا للنهوض بأوضاع حقوق الانسان والحريات الأساسية، وتسعي مؤسسات الدولة المصرية إلي ترجمة ما نص عليه الدستور المصري من نطاق واسع من الحقوق والحريات إلي تشريعات وبرامج واستراتيجيات، وبما يسهم فى الارتقاء بحياة مواطنيها. كما تؤكد مصر احترامها لالتزاماتها الدولية والإقليمية بموجب الاتفاقيات التى تعد طرفاً فيها، وتسعي دوما لتنفيذها والامتثال اليها.
كما تسعى مصر إلى تطوير مستوى تعاونها القائم بالفعل مع الآليات الدولية والاقليمية المعنية بموضوعات حقوق الانسان، ولقد شاركت مصر في جهود تطوير الآليات الدولية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة بما فيها مجلس حقوق الإنسان الذي شغلت عضويته مرتين، وتم انتخاب العديد من الخبراء المصريين في عضوية هيئات معاهدات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. كما ساهمت مصر بشكل فعال في الجهود المبذولة في إطار الاتحاد الإفريقى، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية؛ لتطوير الآليات الإقليمية ذات الصلة.
وإستطاعت مصر أن تحقق خلال السنوات الماضية خطوات هامة على صعيد تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية على المستويات التشريعية والتنفيذية والمؤسسية، بيد أنه من المؤكد أن تعزيز حماية حقوق الإنسان هي عملية مستمرة وتراكمية الأثر، وتظهر نتائجها بشكل متدرج، ومهما بُذل من جهد أو تحقق من إنجاز في هذا المجال، تظل دائمًا هناك تحديات تستلزم مواصلة العمل من أجل التغلب عليها لضمان تمتع الجميع بحقوقهم التى كفلها لهم الدستور والقوانين الوطنية.
وتُعد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان خير دليل على السعي الجاد نحو مواجهة أى تحديات تحول دون التمتع بحقوق الانسان وكذا دليل على توافر الارادة السياسية لإعطاء دفعة قوية للجهود الوطنية فى هذا الشأن، فهى نتاج لجهد وطني بمبادرة مصرية خالصة تهدف إلي الارتقاء بأوضاع حقوق الانسان للمواطن المصري بمفهومها الشامل وكجزء من بناء الدولة المصرية الحديثة التى ينعم فيها كافة المواطنين بحقوقهم التى كفلتها لهم الدستور والقوانين المصرية واتساقاً مع التزامات مصر الدولية بموجب القانون الدولي لحقوق الانسان.
يمكن الاطلاع على النص الكامل للاستراتيجية على الموقع الرسمي للجنة العليا الدائمة لحقوق الانسان:
www.sschr.gov.eg
أولاً: الملامح الرئيسية للإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
تُعد الاستراتيجية الوطنية الأولي من نوعها، وتعتمد مقاربة شاملة ومتكاملة لتعزيز حقوق الانسان والحريات الأساسية من خلال رؤية وتوجهات استراتيجية واضحة، إذ تبني على التقدم الفعلي المحرز وتأخذ بعين الاعتبار عند تحديد نتائجها المستهدفة ما يفرضه السياق الوطني من فرص وتحديات، بحيث تمثل خريطة طريق وطنية للنهوض بأوضاع حقوق الإنسان، وأداة هامة للتطوير الذاتي في هذا المجال.
وتم تحديد إطار زمنى لتنفيذ الاستراتيجية، بحيث تبدأ عملية تنفيذها منذ إطلاقها فى سبتمبر 2021 وتستمر لمدة خمس سنوات تنتهي فى سبتمبر 2026.
وتشتمل الإستراتيجية على أربعة محاور عمل رئيسية تتكامل مع بعضها البعض، وتتمثل المحاور الأربعة للاستراتيجية فى: المحور الأول: الحقوق المدنية والسياسية / المحور الثاني: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية/ المحور الثالث: حقوق الإنسان للمرأة، والطفل، والأشخاص ذوي الإعاقة، والشباب، وكبار السن/ والمحور الرابع: التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.
يتناول كل محور أبرز نقاط القوة والفرص، والتحديات ذات الصلة، وصولاً لتحديد النتائج المستهدفة من خلال إحراز تقدم في ثلاثة مسارات متوازية ومتكاملة : مسار التطوير التشريعي، مسار التطوير المؤسسي ، ومسار التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.
ولقد أُسست الإستراتيجية على رؤية تهدف إلى النهوض بكافة حقوق الإنسان والحريات الأساسية في مصر بوجه عام، من خلال تعزيز احترام وحماية كافة الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، المتضمنة في الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر؛ تحقيقًا للمساواة، وتكافؤ الفرص دون تمييز، بما فى ذلك من خلال التعامل مع عدد من التحديات ومن بينها الحاجة إلى تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، وتعزيز المشاركة في الشأن العام، والتغلب على الصعوبات التي تواجه تحقيق التنمية الاقتصادية المستهدفة، ومكافحة الإرهاب والتحدي الخاص بالاضطرابات الإقليمية التى تؤثر على التمتع بحقوق الانسان.
وتستند الاستراتيجية إلي مجموعة من المبادئ وهي:
- أن حقوق الإنسان متأصلة في الكرامة الإنسانية، وهي عالمية، مترابطة ومتشابكة وغير قابلة للتجزئة إذ يعزز كل منها الآخر.
- عدم التمييز، وكفالة حقوق الإنسان في إطار من المساواة، وتكافؤ الفرص، واحترام مبدأ المواطنة.
- سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته ضمانات أساسية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
- الديمقراطية وحقوق الإنسان مترابطان، ويعزز كل منهما الآخر.
- تعزيز الحكم الرشيد، ومكافحة الفساد، وإرساء قيم النزاهة والشفافية لضمان التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
- الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان، وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق التنمية الشاملة، والتمتع بعوائد هذه التنمية.
- ضرورة وفاء كافة الأفراد في المجتمع بواجباتهم ومسئولياتهم تجاه احترام حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
- الحقوق والحريات اللصيقة بالإنسان لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا، ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة الحقوق والحريات إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية لحماية الأمن القومي، أو السلامة العامة، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
ثانياً: منهجية الإعداد
تولت اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان قيادة عملية الإعداد للإستراتيجية، وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة العليا تم إنشاؤها فى عام 2018 بموجب قرار صادر من السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء وتختص بوضع ومتابعة تنفيذ نهج متكامل لتعزيز احترام وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المتضمنة في الدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر. وانقسمت عملية تحضير الاستراتيجية الى المراحل التالية:
1- المرحلة التحضيرية: بدأت اللجنة العليا بحصر الخطط والبرامج والأنشطة المستقبلية ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية بالتنسيق مع جميع الوزارات، والجهات المعنية، مع دراسة خطط العمل والإستراتيجيات الوطنية المعتمدة بالفعل في مجالات متعددة لتحقيق التكامل بينها وبين الإستراتيجية، وذلك من خلال البناء على ما تتضمنه من نتائج مستهدفة وبرامج وأنشطة بهدف تحقيق الترابط فيما بينها من منظور حقوقي شامل. ولقد حرصت اللجنة العليا خلال المرحلة التحضيرية على دراسة الإستراتيجيات وخطط العمل الوطنية لحقوق الإنسان لعدد من الدول، وذلك بهدف التعرف على أفضل الممارسات والتجارب ذات الصلة. كما قامت بحصر وتصنيف ودراسة التوصيات الختامية التي تلقتها مصر من الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وكذلك توصيات المجلس القومي لحقوق الإنسان، والموقف بالنسبة لتنفيذها، بالتنسيق مع جميع الوزارات والجهات المعنية. ومن ثم، ساهمت المرحلة التحضيرية للإعداد للإستراتيجية في إجراء تقييم موسع لاحتياجات تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
2- مرحلة المشاورات الموسعة: اتبعت اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان نهجًا تشاوريًا موسعًا في عملية الإعداد للإستراتيجية، وذلك على مستويين متوازيين؛ المستوى الأول: فيما بين الوزارات والجهات المعنية بالدولة، والمستوى الثانى: مع ممثلي المجتمع المدني من خلال حوار مجتمعي واسع النطاق، وهو ما يتسق مع عملية التخطيط القائم على المشاركة الذي تنتهجه الدولة حاليًا. وتم عقد ست جلسات إستماع لتلقي مختلف المقترحات ذات الصلة بالإعداد لمسودة الإستراتيجية، ضمت ممثلين عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، والجمعيات والمؤسسات الأهلية من مختلف المحافظات، والنقابات المهنية والعمالية، والمراكز البحثية والجامعات، واتحادات الغرف التجارية وجمعيات رجال الأعمال، والشخصيات العامة والمثقفين. وبعد الإنتهاء من إعداد المسودة، بدأت المرحلة الثانية من التشاور بعقد جلسة إستماع مع لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب وكذا جلسة إستماع مع ممثلى المجلس القومي لحقوق الإنسان وعدد من منظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة لإستعراض أبرز ملامح مسودة الإستراتيجية ونتائجها المستهدفة. وقد شهدت مختلف الجلسات حوارًا بناءً نتج عنه مقترحات عديدة تتعلق بمختلف محاور عمل الإستراتيجية وتم تضمين عدد من تلك المقترحات فى الإستراتيجية. كما شكلت اللجنة العليا "هيئة استشارية" تضم 25 شخصية من الشخصيات العامة والخبراء من المتخصصين في القانون، والاقتصاد، والسياسات العامة، والتخطيط الإستراتيجي بهدف الاستعانة بخبرات متنوعة في عملية إعداد الإستراتيجية.
3- مرحلة الصياغة: ساهم كل من إجراء التقييم الذاتي الموسع لاحتياجات تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وكذلك العملية التشاورية الموسعة التي قادتها اللجنة العليا مع مختلف الأطراف المعنية في تغذية مرحلة صياغة الإستراتيجية، من حيث تحديد محاور العمل الرئيسية والتحديات والنتائج المستهدفة في إطار كل محور.
ثالثاً: المتابعة وتقييم التنفيذ :
سوف تضطلع اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بمهمة متابعة وتقييم التقدم المحرز في تحقيق الرؤية التي ترتكز عليها الإستراتيجية؛ للوصول إلى النتائج المستهدفة منها. والاضطلاع بهذه المهمة يعد أمرًا لازمًا للوقوف على مواضع التقدم في التنفيذ للبناء عليها، ومعرفة فجوات التنفيذ لمعالجتها وما من شك أن بعض القضايا تستوجب مواصلــة بحثها وتحديد أفضل السبل للتعامل معها بهدف دراسة أفضل السبل لتناولها فى المستقبل. وهذا من شأنه تعزيز العمل الوطني المنسق لتفعيل احترام حقوق الإنسان من خلال التعامل أولًا بأول مع التحديات ذات الصلة.
سيتم فى إطار متابعة تنفيذ الإستراتيجية بذل مزيد من الجهد لتعزيز التواصل، والتنسيق، والتشاور، وخلق المشاركات الوطنية بين كافة مكونات البنية المؤسسية لحقوق الإنسان، بما فى ذلك المجتمع المدني، حيث يمثل ذلك ركيزة أساسية لنجاح تنفيذ الإستراتيجية، وصولاً إلى وضع إطار متكامل لعمل مؤسسي منسق وجماعي، تشاركي ومتواصل، من شأنه تحقيق الترابط والتضافر المنشود لكافة الجهود ذات الصلة بالارتقاء بحقوق الإنسان.