اليوم العالمي لحقوق الإنسان: خمسة وسبعون عاماً على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948-2023)
يحتفل المجتمع الدولي في العاشر من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يوافق اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي هذا العام، نحتفل بالذكرى الخامسة والسبعين لهذا الإعلان. وترسخ هذه الوثيقة التاريخية الحقوق غير القابلة للتصرف التي هي حق لكل شخص كونه إنسان.
وكانت مصر من أوائل الدول التي وقعت على ميثاق الأمم المتحدة. وناقشت الدورة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة (1946-1947) ما كان يسمى آنذاك "مشروع إعلان حقوق الإنسان والحريات الأساسية". وفي 10 ديسمبر 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال قرارها A/RES/217 A (III)، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتم إقراره بأغلبية 48 صوتًا، بما في ذلك مصر، وامتناع ثمانية أعضاء عن التصويت. ولا يزال الإعلان أساس النظام الدولي الحديث لحقوق الإنسان.
وكان واضعو الإعلان مصممين على الدخول في حقبة جديدة لمنع تكرار الجرائم الشنيعة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه الوثيقة الهامة طموحة حيث دونت مبادئ عامة توسعت فيما بعد إلى صكوك ملزمة قانونا. ومن أبرز هذه الصكوك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتم اعتماد كلاهما في عام 1966.
وحتى في عصرنا هذا، لا يزال يثبت الإعلان أهميته الدائمة كأحد الوثائق التي تدعم جدول أعمالنا للتنمية العالمية، أهداف التنمية المستدامة.
مصر: آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والآليات الإقليمية:
شاركت مصر على مدى عقود في جهود تطوير القانون الدولي لحقوق الإنسان، من خلال مشاركتها في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، وفي المشاورات والتحضيرات لصياغة الاتفاقيات والقرارات الدولية لحقوق الإنسان.
وأثناء مناقشة اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 قال مندوب مصر ما يلي:
"إن وفده يعرب عن تقديره للمثل العليا التي استرشدت بها اللجنة الثالثة في عملها، والتي كانت نتيجتها إعلان حقوق الإنسان المعروض الآن على الجمعية. ويشكل هذا الإعلان، إلى جانب اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، التي اعتمدتها الجمعية العامة بالإجماع، خطوة حقيقية إلى الأمام في إرساء المبادئ القانونية والإنسانية".
وأضاف كذلك أن:
"العديد من المبادئ المنصوص عليها في إعلان حقوق الإنسان قد تم وضعها بالفعل في الدساتير الديمقراطية في مختلف البلدان، بما في ذلك مصر".
منذ عام 1946 حتى عام 2006، تم تكليف لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي هيئة فرعية تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، بالولاية الشاملة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان داخل الأمم المتحدة. ولمدة ما يقرب من عقد من الزمن بعد إنشائها (1947-1955)، كانت مصر الممثل الوحيد للإقليم الأفريقي في اللجنة. وبعد توقف دام اثني عشر عاماً (1956-1966)، تولت مصر مهمتها التمثيلية لأفريقيا، إلى جانب الدول الأفريقية الأخرى، لمدة أربعة عشر عاماً أخرى في الفترة (1967-1980). وبعد توقف آخر دام خمسة عشر عامًا، مثلت مصر أفريقيا لمدة ثلاث سنوات إضافية (1995-1997). وبينما كانت ولاية الأمم المتحدة في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان على وشك التحول من خلال إنشاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كانت مصر ممثلة للمنطقة الأفريقية خلال العامين الأخيرين من ولاية اللجنة (2004- 2005). ومن أصل تسعة وأربعين دورة، التي تمثل جميع دورات اللجنة منذ نشأتها وحتى نهاية ولايتها، كانت مصر عضواً في اللجنة ممثلاً عن أفريقيا في ثماني وعشرين دورة. وتعد مصر هي الدولة الوحيدة في تاريخ اللجنة التي مثلت بمفردها منطقة جغرافية لمدة تسع سنوات متتالية.
ساهمت مصر في تطوير الآليات الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان، حيث كانت مصر عضوًا مرتين، وانتخبت مرة واحدة نائبًا لرئيس المجلس. وقد تم انتخاب عدد من الخبراء المصريين كأعضاء في هيئات معاهدات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وكانت مصر مساهماً فعالاً في الجهود المبذولة لتطوير الآليات الإقليمية ذات الصلة في إطار الاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.
وعلى المستوى الدولي، تفتخر مصر بتقاليدها الراسخة المتعلقة بتعزيز وحماية حقوق الإنسان المعترف بها عالميًا، سواء في الداخل أو الخارج. لقد احتلت قضايا حقوق الإنسان دائمًا مكانة بارزة في مصر، وتثير القضايا نقاشًا قويًا بين الجمهور وفي وسائل الإعلام. وعلى مدار ثلاث دورات، خضعت مصر لمراجعة شاملة لتطورات حقوق الإنسان في إطار المراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان. وتؤمن مصر بأن هذه الآلية التي تديرها الدولة يمكن أن تتيح التفاهم المتبادل وتوفر مكانًا للمشاركة البناءة وتبادل أفضل الممارسات في مجال حقوق الإنسان. ومن المتوقع أن تقدم مصر تقريرها الوطني للدورة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل في أكتوبر 2024. ومصر حاليًا بصدد الانخراط في عملية وطنية، بالتشاور مع المجتمع المدني والمجلس القومي لحقوق الإنسان، لإعداد تقريرها الوطني.
منذ اعتماد الإعلان عام 1948، انضمت مصر إلى ثماني اتفاقيات دولية أساسية لحقوق الإنسان: اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (تم التصديق عليها عام 1986)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (تم التصديق عليه عام 1982)، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (تم التصديق عليها عام 1981)، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (تم التصديق عليها عام 1967)، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (تم التصديق عليه عام 1982)، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (تم التصديق عليه عام 1982)، الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (تم الانضمام إليها عام 1993)، واتفاقية حقوق الطفل (تم التصديق عليها في عام 1990)، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (تم التصديق عليها عام 2008). بالإضافة إلى ذلك، انضمت مصر في عام 2007 إلى البروتوكولين الاختياريين لاتفاقية حقوق الطفل: البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الاباحية. وفي هذا السياق، تقوم مصر بمراجعة منتظمة لقوانينها وتشريعاتها، وكذلك لحالة مواقفها بشأن التحفظات على مواد معاهدات حقوق الإنسان. وعلى سبيل المثال، سحبت مصر تحفظاتها على المادتين 20 و21 من اتفاقية حقوق الطفل بشأن التبني. وتنبع هذه المراجعة من التصميم على دعم أعلى معايير حقوق الإنسان الممكنة والمتفق عليها عالمياً على المستوى الوطني.
وعلى المستوى الإقليمي، انضمت مصر إلى عدد من الاتفاقيات في إطار المنظومة العربية والأفريقية لحقوق الإنسان. ففي أفريقيا: الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (تم التصديق عليه عام 1984)، والميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل (تم التصديق عليه عام 2001)، وبروتوكول محكمة العدل للاتحاد الأفريقي (تم التصديق عليه في عام 2006). وفي عام 2015، سحبت مصر تحفظها على المادة 21 (2) من الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل، التي تحظر زواج الأطفال دون سن الثامنة عشرة. وعلى المستوى العربي، انضمت مصر إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان (2019)، وميثاق حقوق الطفل العربي (1994).
مصر: مقاربة شاملة لحقوق الإنسان:
يحيط الدستور المصري، على مر التاريخ، وآخرها في عام 2014، حقوق الإنسان والحريات الأساسية بضمانات محددة. وألزمت المادة 151 من الدستور السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية بالالتزام بأحكام المعاهدات الدولية المصادق عليها كما تلتزم بالقانون الداخلي وبالتالي يجوز لجوء المتضررين من عدم تطبيق أحكام تلك المعاهدات إلى المحاكم. وفي الواقع، يذهب دستور 2014 إلى مدي أبعد من الدساتير السابقة، حيث، بموجب المادة 93، يمنح وضعًا خاصًا للمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها، مما يمنحها قوة القانون. وهو بذلك يوفر الحماية الدستورية للحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها فيه. ولذلك، يجوز لأي ذي مصلحة أن يلجأ إلى المحكمة الدستورية العليا للاحتجاج بعدم دستورية أي تشريع.
وتم تعديل قانون إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان لتعزيز ولاية المجلس واستقلاله، وفقاً للدستور والمبادئ المتعلقة بمركز المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان (مبادئ باريس). وعلاوةً على ذلك، اتخذت الحكومة التدابير اللازمة لزيادة فعالية القنوات المؤسسية للتشاور مع منظمات المجتمع المدني باعتبارها شريكاً رئيسياً في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وكخطوة إلى الأمام، أطلقت مصر، في سبتمبر 2021، أول استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان على الإطلاق، والتي تهدف إلى تعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية والثقافية داخل البلاد. وتنبع أهمية هذه الوثيقة من كونها أول استراتيجية وطنية متكاملة لحقوق الإنسان في مصر. وتبني الاستراتيجية على التقدم المحرز، وتأخذ في الاعتبار الفرص والتحديات على المستوى الوطني وتمثل دليل واضح على التزام مصر، على أعلى مستوي، بمعالجة قضايا حقوق الإنسان. وتعكس مبادرة إعداد الاستراتيجية قناعة وطنية بضرورة اتباع نهج شامل لتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية؛ وهو نهج موجه برؤية واضحة وتخطيط استراتيجي، حيث يتضمن برنامجا محدداً وخطة مدتها 5 سنوات من 2021 إلى 2026.
وبفضل العمل الدؤوب على المسارات الثلاثة للاستراتيجية، تم إحراز تقدم كبير في مجال الحقوق المدنية والسياسية، وفي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن حقوق المرأة والطفل والشباب والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك إلغاء تمديد إعلان حالة الطوارئ في مصر عام 2021.
قادت اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان عملية إعداد الاستراتيجية. وقد تم إنشاء اللجنة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2396 لسنة 2018، وتتولى مهمة "وضع ومتابعة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وخطط العمل لتنفيذها من قبل الجهات ذات الصلة". ويمثل إنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان خطوة تحولية في الجهود المؤسسية التي تبذلها مصر للتعامل مع قضايا حقوق الإنسان بطريقة منهجية باستخدام نهج شامل، بقيادة وطنية، يتمحور حول المواطن. علاوةً على ذلك، تتبنى مصر رؤية تنموية متكاملة (استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030)، والتي تقوم على إعمال حقوق الإنسان الأساسية كمحور للتنمية.
إن ما حققته مصر على صعيد حماية وتعزيز حقوق الإنسان هو جزء من عملية بناء شاملة، مبنية على إرادة سياسية صلبة، وتدفعها المبادئ والقيم العليا. وتؤمن الحكومة المصرية بأن حشد الجهود في كافة المجالات يمكن أن يضمن تقدمًا مستقرًا ومطردًا نحو تعزيز الحكم الرشيد وسيادة القانون والديمقراطية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي الذكرى الخامسة والسبعين لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تؤكد مصر من جديد التزامها بالعمل بشكل بنّاء من أجل تقديم مساهمة مجدية في النظام الدولي لحقوق الإنسان وكذلك تحسين حقوق الإنسان على المستوى الوطني سعياً لتحقيق تطلعات الشعب المصري. وتؤكد مصر عزمها على إقامة جمهورية جديدة تُعلي قيم المواطنة والمساواة والديمقراطية وسيادة القانون.